5-3 التوجيهات العملية والبرامج العلمية لتنمية المحاجة

يتضمن هذا المحور جانبان رئيسيان هما:-

أ – التوجيهات والإرشادات العملية لتنمية مهارات المحاجة.

ب- البرامج النظامية لتنمية مهارات المحاجة.

وفيما يلى نعرض لكل جانب بشيء من التفصيل:

 

أ- التوجيهات والإرشادات العملية لتنمية مهارات المحاجة:

يقترح الباحثون في مجال المحاجة مجموعة من الإرشادات والتوجيهات التي من شأن تمثلها من قبل الفرد، ومحاولة توظيفها في المواقف الحجاجية التي يواجهها في حياته اليومية في المجالات المختلفة - تنمية وزيادة فعالية مهاراته الحجاجية علي النحو الذي يعظم ما يجنيه من فوائد كداله للاستخدام الأمثل لها فضلاً عن الحد من وتقليص ما قد يتعرض له من مشكلات من جراء تدني مستواها أو استغلالها بصورة غير حكيمة، وتتمثل أبرز تلك الإرشادات في:

1-   إذا أردت أن تغير شيئاً عليك بمواجهته (باترسون 1995، 4)، إن نقطة البداية الناجحة لأي محاج تتمثل في إدراكه أن أفضل وسيلة للتعامل مع أي مسألة خلافية أو مشكلة مع طرف ثاني هي المواجهة التي تعتمد علي الحوار المنطقي العقلاني فحوار الكلمات أكثر إثمار دوما من حوار اللكمات، لذا عليك أن تتقبل فكرة الدخول في محاجة مع الآخرين باعتبارها الوسيلة الضرورية لتغيير أفكارهم السلبية حول الموضوع مناط الخلاف، ومحاولة إقناعهم بأفكارك التي تري أنها مفيدة حوله. ولا تنسي أن أعتي الصراعات لم تحسم في نهاية المطاف إلا علي مائدة المفاوضات بعد انقشاع غبار المعارك، أو علي منصات المحاكم، وفي كل الحالات تكون عمليات المحاجة هي السلاح الرئيسي المستخدم فيها.

2-   يجب أن تحكم علي ما يقوله الفرد أو يفعله في ضوء السياق الذي يقال فيه، وليس علي ما قيل بالفعل (نفس المرجع السابق، 66)، ذلك أن من بين الأسباب الرئيسية لسوء الفهم بين الناس، وما قد يترتب عليه من مشكلات أكبر، قيام الفرد بإصدار حكم متسرع ذات طابق جزئي على ما يراه فى الاعتبار العناصر الأخري التي من شأن إدراكها تغيير هذا الحكم، فعلي سبيل المثال، حين تري مرءوساً يتحدث مع رئيسه بطريقة منفعلة قد تتسرع وتحكم عليه بأنه متهور، وغير مهذب، ولكن حين تعلم أن هذا الرئيس قد تخطاه دون وجه حق في الترقية قد تعدل من حكمك السابق. ولعل في قصة سيدنا موسى مع الخضر عليه السلام (الرجل الصالح) مثالاً بارزاً لهذا الموقف.

3-   تذكر أنك في المحاجة تنقد مواقف وأراء الشخص، أما في العدوان فأنت تنتقده شخصياً، والموقف مختلف بالطبع في الحالتين لأنه إذا أدرك الفرد أنك تبدي ملاحظات علي ما يقال، وبطريقة عقلانية هادئة، فقد يستجيب لك ويعيد النظر في أفكاره أما إذا شعر بأنك تهاجمه شخصياً فسيستنفذ كل طاقاته للدفاع عن نفسه، وقد يتبني حيالك حينئذ استراتيجية أن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم، ومن ثم سيصب جام غضبه عليك، فعلي سبيل المثال حين يمتدح أحد الزملاء فريقاً معيناً لكرة القدم بوصفه أفضل الفرق علي الساحة لا تقل له أنك لا تفهم في الكرة أو أنت متعصب، فهذا سلوك عدواني، بل قل له أن ما تقوله رأي شخصي والواقع لا يسانده لأن هذا الفريق لم يفز بالبطولة منذ عدة أعوام مثلاً.

4-   حين تقرأ، أو تسمع، بيانات معينة يجب عليك أن تسأل نفسك أولاً: ما مصدر تلك البيانات؟، فليس كل شئ مطبوع حقيقي. وهل هي عبارة عن حقائق أم مجرد آراء، فالأولي غير قابلة للنقاش بعكس الثانية. وما تاريخ هذه البيانات؟ فما هو صحيح منذ عشر سنوات قد لا يكون كذلك اليوم؟ (Verderber, 1991: 334)، وهل البيانات متصلة بالموضوع أو لا؟، وهل ثمة تناقض بينها أم لا؟ فعلي سبيل المثال حين يقول أحد الكتاب أن شباب اليوم لا يقرأ عليك أن تسأله هل هذا الحكم صدر بناء علي إحصاءات حول معدلات مبيعات الكتب وارتياد الشباب للمكتبات العامة أم مجرد رأي شخص؟، وإن كان يعتمد علي إحصاءات فهل هي معاصرة أو حديثة؟، وإن كانت معاصرة فهل وضعت في الاعتبار استخدام الشباب للإنترنت كوسيلة للقراءة أم اكتفت بمؤشر واحد فقط ألا وهو ارتياد المكتبات العامة أو معدل مبيعات الكتب وإن كان الأمر كذلك فهل حددت تلك الإحصاءات الشرائح العمرية لمشتري الكتب أم أن هذا لم يحدث، وبالتالي لا يصح الاستدلال بهذا المؤشر علي صحة دعوى الكاتب؟