إدارة الضغوط

تصدير

كانت الضغوط النفسية وما تزال إحدى الموضوعات المهمة التى تشغل بال الكثير من المتخصصين فى فروع علمية مختلفة، وربما كان علماء النفس على رأس قائمة المهتمين بهذا الموضوع. ولا يأتى الاهتمام بهذا الموضوع لمجرد أنه موضوع جيد للبحث، وإنما لكونه واحدًا من حقائق الحياة وثوابتها، ولكونه قضية تهم العامة والخاصة، فلا يكاد يوجد إنسان على وجه البسيطة لا يعانى الضغوط بأشكال مختلفة وبصورة تكاد تكون يومية. وتتفاوت هذه الضغوط فى شدتها وحدتها ونوعها من شخص لآخر ومن وقت لآخر لدى الشخص نفسه.

ويرجع الاهتمام بدراسة الضغوط النفسية فى جانب منه أيضًا للتبعات والتكاليف الباهظة التى تسببها هذه الضغوط للفرد والمجتمع على حد سواء. وتنجم هذه التكاليف عن العلاقة الوثيقة بين الضغوط النفسية وأطياف واسعة من الأمراض الجسمية والاضطرابات النفسية، والغياب عن العمل والاستهداف للحوادث، والصراعات والمشاجرات والسلوك العدوانى، وسوء التوافق، وغير ذلك من أشكال السلوك والمشكلات التى يتعرض لها أولئك الذين يعانون من الضغوط النفسية، لكنهم فى الوقت نفسه لا يملكون الأساليب والطرق الفنية الإيجابية الملائمة لمواجهتها أو التعايش معها والتقليل من تأثيراتها السلبية إلى أدنى حد ممكن.

ولا يعنى ما سبق ذكره أن الضغوط سيئة وسلبية دائمًا أبدًا، فهناك ضغوط إيجابية أو تنتج عن أحداث ومواقف إيجابية كالزواج والترقية فى العمل (زيادة المسئولية) والانتقال إلى منزل جديد وغير ذلك. من هنا كان لنا أن نعرف أن أقدارًا معتدلة من الضغوط النفسية قد تكون مفيدة حيث تثير لدى الفرد الحماس والحمية وتستنفز طاقاته الكامنة، وتشكل نجاحاته فى مواجهة هذه الضغوط والتغلب عليها رصيد خبرة لا ينفد يعينه فى التعامل مع ضغوط أخرى مختلفة أو فى مواقف أخرى تالية.

والكتاب الذى بين أيدينا هو محاولة أولية ومدخل تمهيدى فى موضوع الضغوط، يمكن أن يكون مفيدًا للمبتدئين وغير المتخصصين والمثقفين والمربيين والمعلمين والآباء والأمهات وغيرهم ممن يلزمهم امتلاك معرفة أولية عن موضوع الضغوط النفسية وإدارتها والتعامل معها ومواجهتها. وعلى الراغب فى المزيد من المعلومات والمهارات اللازمة للتعامل مع هذا الموضوع الرجوع إلى الكتب الأكثر تخصصًا، وهى كثيرة ومتاحة باللغتين العربية والإنجليزية.
يضم هذا الكتاب ثمانية فصول، الأول عبارة عن مقدمة عامة ومدخل تمهيدى والثانى يدور حول تعريف الضغوط النفسية، والثالث مخصص لتصنيف مصادر الضغوط النفسية، والرابع يعنى بمحددات الضغوط النفسية، والخامس لكيفية قياس الضغوط النفسية، أما السادس فيتناول مترتبات الضغوط النفسية، ويدور السابع حول موضوع نراه مهمًا لأنه يتصل بمجال من مجالات الحياة الرئيسية وهو العمل، ونعنى به موضوع الاحتراق النفسى، والفصل الثامن والأخير يدور حول استراتيجيات وأساليب إدارة الضغوط النفسية.

ولا يسعنى فى هذا المقام إلا أن أتقدم بالشكر إلى مركز تطوير الدراسات العليا بكلية الهندسة وإلى السادة المسئولين عن مشروع "الطرق المؤدية إلى التعليم العالى"، وأخص منهم بالذكر الأخ الفاضل الدكتور/ سيد كاسب مدير المشروع، على طرح هذه النسخة العربية مع بداية المرحلة الثانية من المشروع، بعد إصدار النسخة الأولى التى كانت باللغة الإنجليزية، وعلى حماسهم لإصدارها وتوزيعها وتعميم الفائدة منها. وأود هنا أن أؤكد أن هذه النسخة – بالإضافة إلى كونها ثمرة من ثمار التعاون بين كاتب هذه السطور وإدارة المشروع لفترة ليست بالقصيرة – ليست مجرد ترجمة حرفية للنسخة الإنجليزية، وإنما حاولنا فيها تدارك الهنات والملاحظات فى النسخة السابقة، وقد قدمناها للقارئ بصورة مبسطة وواضحة دون الدخول فى تفاصيل أو قضايا خلافية، مع محاولة تغطية معظم جوانب الموضوع التى تهم القارئ غير المتخصص.

والله نسأل أن يجعل فيها الفائدة، وأن تحقق ما قصدنا إليه منها، وما قصدت إليه إدارة المشروع، فهو ولى ذلك والقادر عليه. "وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين "

أ.د. جمعه سيد يوسف

القاهرة فى الاثنين 9 ذى الحجة 1426هـ

9 يناير 2006م